تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الحقوق الجنسية والانجابية في تونس: اليافعون واليافعات فئة خارج الحساب؟

مرة يسمونهم الأطفال وتارة الشباب. يدللونهم إذا قالوا إنهم.هن مشاغبين.ات ويعاقبونهم.هن بصفة المتمردين.ات. وصوم كثيرة تلاحقهم.هن، فهم وهن أبناء وبنات الجيل "الفالت" الذي لا يفقه قولا ولا يتقن لباسا ولا يحسن تصرفا. إذا ظهر على ذقون الذكور منهم شعر قالوا "بسم الله على ولدي كبر وولى راجل" (تبارك الله ابني كبر وأصبح رجلا). وإذا أتى الإناث من بينهم الحيض يهمسون "أكهو عاد كبرت ولازمها عروس" (لقد كبرت أخيرا وأصبح لا بد من إيجاد عريس لها). 

هل تعرفون عمن نتحدث؟ تعالوا لنفتح نافذة على عالم اليافعين واليافعات، الفئة الأكثر تهميشا في مجتمعاتنا. دعونا نتحدث عن حقوقهم.هن الجنسية والإنجابية ونعمل معا لعلنا نساهم في حصولهم.هن عليها.

!جسد قيد الانتظار 
"كبرت وصرت أما لفتاتين وأنتظر بفارغ الصبر متى تكبران قليلا حتى أحدثهما عن كل ما يتعلق بسن البلوغ وفترة الحيض كيف سيتغير جسميهما كيف ستعيشان أياما من الشهر تشعران بألم ليس عيبا أن تفصحا عنه وإذا تلطخت ملابسهما ببعض الدماء فذلك لا ينقص من شخصيتيهما شيء…" تتحدث مريم (27 سنة) بحرقة وحماسة في نفس الوقت عن تجربتها مع البلوغ وكأنه بالأمس القريب تتمثل نفسها في صغيرتيها الرضيعتين حتى "لا تظلمها مثلما ظلمتها والدتها"، حسب تعبيرها.

ملف الصوت

عاشت مريم -وحيدة أمها وأبيها- في جزيرة قرقنة من ولاية صفاقس، إلى سن الـ19، قبل أن تتحول إلى العاصمة تونس لمزاولة تعليمها الجامعي. وانتظرت حتى درست اختصاص علم النفس لتفهم ما عايشته عندما كانت يافعة لم تتجاوز الـ13 سنة. تقول مريم لتواصل: "كنت أكره جسدي الذي فعلت كل شيء لأخفيه نزولا عند أوامر أمي.. فصدري الذي كان يكبر يوما بعد يوم أصبح عبئا ثقيلا علي، وفترة الحيض كانت كابوسا يراودني كل شهر ويمنعني من الذهاب إلى الدراسة أو حتى الخروج إلى الشارع مخافة أن ينكشف أمري ببقعة دم قد تلطخ بنطالي.. كنت أكرهني فعليا ولم أدرك أنني كنت مخطئة إلا في سن الـ19".

لا تقتصر القطيعة مع المفهوم الإيجابي للجسد على الفتيات فقط بل يواجه الفتيان أيضا ضغوطات مختلفة في علاقة بأجسادهم المتحوّلة في سن البلوغ، يقول يوسف عيادي لتواصل، وهو يافع في سن الـ17، إنه كان محظوظا أن ترعرع في أجواء عائلية متفتحة زودته بما يكفي من معلومات عن التغيرات التي قد يشهدها جسمه في مرحلة عمرية معينة، معتبرا أن نشاطه ضمن جمعية اليافع "أدو+" (+ADO) زاده وعيا بكل ما يتعلق بحقوقه الجنسية والإنجابية أو ما أسماه التربية الجنسانية الشاملة.

"دور العائلة في الإحاطة بأبنائهم من اليافعين أساسي فالأب والأم أقرب من أي أشخاص آخرين وأكثرهم محل ثقة بالنسبة إلينا، فلا المدرسة ولا الانترنت أو أي مصادر أخرى تسطيع إشعارنا بالأمان أكثر من عائلاتنا" هكذا عبر يوسف عن شعوره تجاه ما يستمده من معلومات يعتبرها حساسة في سن مبكرة بخصوص الجسد". 

ولئن تحدث يوسف بحرص عن ضرورة وعي الأسرة بدورها تجاه أبنائها وبناتها في ما يتعلق بالإجابة على تساؤلاتهم المتعلقة بصحتهم الجنسية والانجابية في سن مبكرة، فلقد اقترحت الأمم المتحدة بدء التربية الجنسية في سن الـ5 سنوات والتي تتوافق غالبا مع انطلاق التعليم الرسمي في معظم الدول، وذلك بهدف "مساعدة الأطفال على التعرف على أجسامهم والتعرف على مشاعرهم وعواطفهم، عن طريق مناقشة الحياة الأسرية ومختلف أنواع العلاقات، وصنع القرار، والمبادئ الأساسية للتراضي، والتصرف في حال حدوث العنف أو التنمر أو الإساءة. ويضع هذا النوع من التعلم الأساس لإقامة العلاقات الصحية طوال الحياة".

الصورة
متى ينبغي أن تبدأ التربية الجنسية
متى ينبغي أن تبدأ التربية الجنسية 

تمكن يوسف على إثر تكوين تلقاه صلب الجمعية في إطار مشروع "الصحة دون محرمات" أن يصبح "مكونا للأقران" (Educateur pair)، مما أتاح له الفرصة لمساعدة عدد من اليافعين واليافعات في مجتمعه على تبني سلوك صحي ومسؤول فيما يتعلق بصحتهم الجنسية والإنجابية.

 

Fichier vidéo

نحو التحرّر من القيود

سعت جمعية اليافع منذ تأسيسها سنة 2011 إلى الإحاطة بمختلف مشاغل اليافعين واليافعات وحثهم.هن على الإلمام بعديد القضايا الحقوقية من بينها الحقوق الجنسية والانجابية من خلال الورشات التدريبية والمسرح وصناعة المحتوى وصولا إلى إنتاج فيلم قصير ساهم في كتابة نصه اليافعون.ات وكانوا أبطاله الحقيقيين بعنوان "إسأل الآخرين" من إخراج وليد العيّادي.

وشددت المديرة التنفيذية للجمعية ضحى الجورشي في حوار خصّت به تواصل، على أن الخوض في موضوع الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية في علاقة باليافعين واليافعات مسألة حساسة. واستغرقت الجمعية سنوات للتدرج في طرح مواضيع قريبة منها حتى استطاعت أخيرا التحدث فيها من خلال مشروع قائم على تناول كل المواضيع المتعلقة بصحة اليافعين واليافعات بعيدا عن القيود المجتمعية المعقدة بعنوان "صحة دون محرمات" (Sans T Sans Tabou). 

وجاء المشروع وليد دراسة قامت بها الجمعية في سياق مشروع آخر بعنوان "هن الآن" خلال سنة 2020، خاضت في "تصورات اليافعين واليافعات حول أهم أشكال عدم المساواة بين الجنسين والتمييز ضد اليافعات".

وأكدت الدراسة على أن وعي اليافع واليافعة بأهمية الاعتناء بالصحة خلال المرحلة الفاصلة بين الطفولة والشباب والتحضير النفسي لمختلف التغيرات التي تطرأ على جسديهما، عاملا مهما لمدى تقبلهما لأنفسهما وشعورهما بالتعايش مع مختلف التطورات الصحية التي تطرأ عليهما.

وفيما يتعلق بالمشاكل الصحية التي ترافق مرحلة البلوغ والتي ترتبط عادة بالمناطق الحساسة أو التناسلية، فقد بينت الدراسة الميدانية التي أجرتها جمعية اليافع في 4 معتمديات من ولايات مختلفة من الجمهورية (شربان بالمهدية، القصور بالكاف، مجاز الباب بباجة، سوق الأحد بقبلي) أن عددا محدودا جدا من اليافعين الذين يتحدثون عن هذه المواضيع مع أحد أفراد العائلة وعادة ما يفضلون اللجوء للانترنت للبحث عن تفاسير، أما بالنسبة لليافعات فإن أغلبهن يخبرن أمهاتهن أولا عند حدوث الحيض أول مرة إلا أنهن لا يقمن بزيارة الطبيب عند الشعور بأي اضطرابات في الدورة الشهرية اعتقادا منهن أن الأمر عادي كما أخبرتهن أمهاتهن.

أرجعت الجورشي هذا الصمت من قبل اليافعين واليافعات تجاه مواضيع تهم بالأساس صحتهم.هن إلى أن أجسادهم.هن هي نفسها تمثل مشكلا بالنسبة إليهم.

Fichier vidéo

مناهج تعليمية فقيرة

تفتقر المناهج التعليمية في تونس إلى استراتيجية واضحة تتعلق بالتربية الجنسية وتوعية الأطفال واليافعين بحقوقهم الجنسية والانجابية، وتقتصر البرامج التعليمية إلى اليوم على بعض الدروس المرتبطة بمادة علوم الأحياء. أول درس يتلقاه اليافعون واليافعات في تونس في علاقة بهذا الموضوع يكون في نهاية العام الدراسي من السنة التاسعة أساسي أي عندما يكونون في سن الـ14 تقريبا.

وتشدد المديرة التنفيذية لجمعية اليافع والمدربة في مجال حقوق الطفل ضحى الجورشي في هذا الجانب على أهمية الدور الذي يمكن أن يضطلع به المربون.يات في المدرسة بخصوص توعية التلاميذ.ات بكل ما يتعلق بأجسادهم.هن، منتقدة تباطؤ أصحاب القرار في السلطة السياسية في خلق فضاء أكبر صلب المدارس والمعاهد لما أسمته التربية الصحية الجنسية من خلال مقاربة حقوقية علمية تخلق مزيدا من الثقة لدى الأولياء والتلاميذ على حد سواء، وفق تقديرها.

Fichier vidéo

أعلنت وزارة التربية سنة 2019 عن اعتزامها إدراج التربية الجنسية في المناهج التربوية التونسية كتجربة هي الأولى في العالم العربي، وأفادت بأنها ستنطلق من أقسام التحضيري، في خطوة جاءت ببادرة من الجمعية التونسية للصحة الإنجابية وصندوق الأمم المتحدة للسكان والمعهد العربي لحقوق الإنسان حينها. ولكن حتى اليوم بقي هذا المشروع حبرا على ورق، يعود ليطفو على السطح من جديد في كل مرة آخرها السنة الفارطة، حيث دعا مشاركون في ملتقى علمي بعنوان "الصحة الجنسية بين المسموح والممنوع"، نظمه الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، إلى الإسراع بإدراج مشروع "التربية الجنسية" ضمن المناهج المدرسية. دعوات صادرة عن جمعيات ومنظمات وأخصائيين في علم النفس والجنس والقانون تتكرر في كل مرة على أمل أن تحظى بالقبول في أقرب الآجال

الكاتبة:أمل الصامت 

Articles en relation