في ظل تواصل انحباس الأمطار والجفاف: فلاحو باجة يتوجهون لزراعة السلجم الزيتي كحلّ بديل
يعاني قطاع الفلاحة في تونس في السنوات الأخيرة من مشاكل وصعوبات عديدة أثّرت على الإنتاج بشكل لافتٍ، ومن أبرز هذه المشاكل نذكر انحباس الأمطار وارتفاع كلفة الإنتاج وتضاعفها وهو ما جعل الفلاح عاجزا عن مواصلة تعاطي النشاط.
وقد سجّلت مختلف مناطق ولاية باجة، خلال الموسم الفلاحي الحالي (2023-2024)، نقصا في الأمطار يتراوح بين 1 و37 بالمائة مقارنة بالمعدلات العادية، بحسب تقرير للمندوبية الجهوية للفلاحة والصيد البحري بباجة.
وبيّن ذات التقرير أنّ أدنى مستوى للتساقطات خلال الموسم الحالي تم تسجيلها بداية من شهر سبتمبر والي غاية شهر نوفمبر 2023.
هذه الوضعية فرضت ضرورة البحث عن زراعات بديلة قادرة على مقاومة التغيّرات المناخية وانحباس الأمطار، وتمثل "دعمًا" للأمن الغذائي على غرار زراعة "السلجم الزيتي" أو ما يعرف بـ"الكولز".
وكان المعهد التقني لمهنييالسّلجم بفرنسا (تار اينوفيا) والاتحاد الأوروبي قد أعلنا بداية سبتمبر 2019، عن الشروع في تنفيذ برنامج لدعم زراعة حوالي 50 ألف هكتار من السلجم الزيتي في تونس عبر توريد البذور من أوروبا، وذلك بحجة الزيادة في الإنتاج المحلي من هذه الزراعات بما يقلّص من واردات البذور الزيتية وتحويلها إلى زيوت نباتية تُستخدم للتغذية البشرية وإنتاج الوقود الحيوي، في حين تستخدم مخلفات العصر الغنية بالبروتينات كعلف للحيوانات.
السلم الزيتي..زراعة بديلة في ولاية باجة
وقد انطلقت زراعة السلجم الزيتي بالبلاد سنة 2014 بحوالي 460 هكتار وبمشاركة 40 فلاحًا في كل من ولايتي بنزرت وباجة، لتبلغالمساحات المغروسة بعد مرور 10 سنوات 18 ألف هكتار، ليرتفع بذلك عدد ممارسيها إلى قرابة الـ1000 فلاحًا.
وتعتبر ولاية باجة من أهم المناطق الملائمة لهذه الزراعة وذلك بسبب جودة التربة وتجاوز المعدل السنوي للأمطار فيها لـ 400 مم، وقد توسّعت مساحات السلجم الزيتي بباجة وهو دليل على ارتفاع نسق استخدام هذه الزراعة وإقبال الفلاحين عليها، حيث تضاعفت المساحات المزروعة من السلجم الزيتي أو "الكولزا" بولاية باجة خلال الموسم الفلاحي الحالي لتبلغ 8 آلاف هكتار مقارنة بـ 3500 هكتار خلال الموسم المنقضي، وفق ما أفاد به سفيان الرزقي كاهية مدير بالاتحاد الجهوي للفلاحة بباجة في تصريح لـ"تواصل ".
وأرجع الرزقي هذا الارتفاع إلى نجاح الحملة التحسيسية التي نفّذها الاتحاد خلال السنة المنقضية والتي شملت قرابة 300 فلاح، مع ما أظهرته زراعة "الكولزا" من مردودية اقتصادية وحلّها لإشكاليات الفلّاح في التداول الزراعي حيث أصبحت بديلا ناجعا بعد تراجع زراعة عباد الشمس بسبب ما واجهته من صعوبات في التسويق، إضافةإلى إشكاليات زراعة الفول التي كان الفلاح يعوّل عليها كثيرا في مسألة التداول الزراعي وخاصة منها كثرة عشبة المنجور.
وأكد الرزقي أن زراعة السلجم الزيتي من شأنها توفير زيت ممتاز يصنف في المرتبة الثانية بعد زيت الزيتون، ويوفر أعلاف
وأضاف محدثنا مفسرًا، أنه يمكن زراعة السلجم الزيتي في كل معتمديات ولاية باجة وخاصة في الأراضي الخصبة بشمال الولاية، وقد كان من المبرمج أن تصل المساحات خلال الموسم الحالي إلى 25
وأوضح أنه تم وضع هدف استراتيجي للوصول الى 50 ألف هكتار في باجة لتحقيق كميات كبيرة من
من جهته، يقول الفلاّح بجهة تستور مختار البحريني في تصريح لـ"تواصل" أنّه لجأ إلى اعتماد زراعة السلجم الزيتي في التداول الزراعي مع الحبوب نظرا لما يوفّره هذا المنتوج من مردودية جيّدة وعدم وجود صعوبة في ترويجه في ظلّ وجود مراكز تجميع لقبول الصابة، بالإضافة إلى أهمية سعره خاصة وأنّ هناك عقد مبرم مع الفلاح و شركة "قرطاج للحبوب" يضمن سعر القنطار والمحدد بـ 180 دينارًا.
ويؤكّد البحريني أنّ
وأوضح البحريني أنه
تجربة مفيدة ...ولكن
تُعتبر عملية زراعة السلجم الزيتي تجربة مفيدة وأحد الحلول التي تقلص من مشاكل الفلاح، لكن المسألة تبقى محلّ جدل خصوصا فيما يتعلّق بمخاطر إدخال بذور محورة جينيّا للبلاد، من جهة، وكذلك استغلال مساحات من الأراضي الفلاحية لزراعات ذات طابع صناعي على حساب الحبوب ودعم استغلال البذور المحلية واستهلاك المنتوجات المتأصلة في تونس كزيت الزيتون، من جهة أخرى.
وفي هذا الإطار، يرى الخبير في الزراعة المستدامة عبد الحميد عمامي في تصريح لـ" تواصل"، أنّ بذور السلجم الزيتي المستخدمة محورة وراثيًا أو هجينة في أحسن الاحتمالات وهو ما يتطلب استيرادها من سنة الى أخرى ويتم ترويجها في السوق المحلية ودعمها بموارد صندوق الدعم، وفق تعبيره.
وقال عمامي، إنّ السلجم يعد من الزراعات التي تتطلب 600مم من الأمطار في الهكتار الواحد وهي زراعة تنتشر سريعا في المناطق المنتجة للحبوب وذات المحاصيل الاستراتيجية الأخرى ( البقوليات والأعلاف ) أي في ولايات الشمال ذات الإمكانيات الزراعية العالية، إذ تضم الولايات التسع في شمال البلاد مجتمعة ما بين 71٪ و 83٪ من إجمالي المساحات المزروعة بالحبوب في البلاد والحصيلة تقليص المساحة المخصصة للحبوب وهو ما يؤدي
وبيّن الخبير أن زراعة السلجم تدخل أيضا في منافسة مباشرة مع البقوليات (الفول والفول المصري والحمص والسلة والحلبة ) ذات الفوائد المتعدّدة حيث تحتوي على البروتينات الضرورية لتغذية الإنسان والحيوان لتغدية علاوة على أنها مخصبة للتربة إذ يتم اقحام السلجم في التناوب الثلاثي عوضا عن البقوليا، حسب ر
ويرى عمامي أن "الكولزا" ليست مادة ضرورية واستعجالية في الظرف الراهن خاصة وأنّها تزاحم من ناحية المساحة المخصّصة لزراعة الحبوب: "فكلّما تطوّرت زراعة السلجم كلّما تقلصت المساحات المخصصة للحبوب والبقوليات وهي مواد استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها ومن الأفضل نحقّق الاكتفاء الذاتي منها دون اللجوء
صابة السلجم الزيتي في باجة
وحول إدخال مادة السلجم الزيتي في التداول الزراعي مع الحبوب ، يقول الخبير في الزراعة المستدامة عبد الحميد عمامي
ويضيف عمامي أنّ تقلص المساحات المزروعة من الحبوب والبقول، والتي تعد مصدرًا مستداما للغذاء البشري والحيواني، واستجلاب زراعات أخرى دخيلة وبذور هجينة تمثل “خطرا محدقا على أمننا الغذائي”، وفق تعبيره.
على الرغم من أهمية زراعة السلجم الزيتي
بقلم الصحفية: س.ص
- 64 views