التوسع الترابي البلدي بولاية تطاوين: بين إشكاليات الأراضي الاشتراكية و ضعف الخدمات و شح الموارد
شهدت مختلف بلديات تطاوين منذ سنة 2018 توسعا على كامل ترابها و أصبح بإمكان كل القرى و المناطق الريفية و النائية و المهمشة التمتع بالخدمات البلدية. كما مكنت المواطن من تقريب بعض المرافق الضرورية في انتظار استكمال كل مطالبه.
فما هي الإشكاليات التي تواجهها بلديات تطاوين اليوم في مهامها؟
و هل استوفى المواطن حقه بصفته تابعا لمنطقة بلدية ؟ و ما هي الحلول المقترحة لتسوية الإشكالات المطروحة؟
إشكالية الأراضي الاشتراكية و ضرورة القيام بالمسح العقاري و الطوبوغرافي.
تعتبر الأراضي الاشتراكية أهم مشكلة للمواطن و البلدية، خاصة وأنها تمثل83 % من مساحة الولاية بحسب السيد "مختار العامري" رئيس بلدية ذهيبة ، الذي اعتبر أن أهم إشكال تعاني منه بلدية ذهيبة بالخصوص هو الإشكال العقاري.
فهذه البلدية و منذ إحداثها في 04.04.1986 هي تراب بلدي و تمتد مساحتها على 4111 هكتار و تضم حوالي 10 آلاف ساكن و هي بلدية حدودية مدعومة بنسبة 100بالمئة من طرف الدولة لافتقارها للموارد.
إلا أن هذه البلدية تعاني المشكل العقاري بالأساس، ففي عام 1983 فوَت المجلس الجهوي المتمثل في شخص الوالي آنذاك ملكية أرض مساحتها تقدر 497 هكتار لفائدة رئيس البلدية باعتباره ممثلا للمجلس البلدي، و أصبحت البلدية بموجب ذلك كل المساحة البلدية من عقارات و طرقات و مقرات و مباني قديمة و جديدة.
إلَا أنها بقيت أمام إشكال حقيقي و هو الإشكال العقاري، ذلك أن قطعة الأرض كانت ذات صبغة اشتراكية و عندما تم تفويتها للبلدية أصبحت ملكية خاصة ينطبق عليها قانون الجماعات العمومية.
أمام امتلاك المواطن لعقارات ترجع ملكيتها إلى سنة 1958 و توسع فيها أصبحت الصورة: مواطن يتصرف في عقار و يصرف عليه و الحال أن البلدية هي من تمتلك حجة ملكية ذاك العقار.
و زاد عُمق الإشكال خاصة بعد الثورة و منذ تاريخ إصدار مجلة الجماعات المحلية في العام 2018 حيث أصبح من الصعب حله. فتطور إلى مطلب اجتماعي، و أصبح المواطنون المتضررون يطالبون باستعادة أراضيهم و في الجهة الأخرى نجد مواطنين آخرين مستفيدين.
"هذا الإشكال العقاري لابد أن يُحل من قبل الحكومة و المجلس البلدي و ذلك عبر المسح الإجباري"، المسح أبرمت بخصوصه اتفاقية بين وزارة التجهيز و ديوان قيس الأراضي بقيمة تفوق مليون و 600 ألف دينار،و رغم صدور أمر في 28 أفريل 2016يقربه، إلا أنه لم يكن يسمح بالمسح العقاري للعقارات المبنية داخل منطقة التهيئة في المناطق البلدية، و رغم تنقيحه سنة 2017 ليصبح ساري المفعول إلا أنه يواجه إشكالية أخرى و هي ضرورة دعم فرع المحكمة العقارية بإطارات قضائية و دعم الدائرة الجهوية لقيس الأراضي بإطارات فنية و معدات وآليات للتمكن من عمل المسح الإجباري بكل أريحية لأن ظروف العمل الحالية مضنية جدا. هذا المسح الإجباري حسب رئيس البلدية هو الحل الوحيد لتحديد ملكية الأرض و حل مشكلة استغلال الأراضي واستصلاحها و حسم النزاع الاجتماعي على الأرض.
و يشمل إشكال الأراضي الاشتراكية أيضا بلدية رمادة التي أحدثت في العام 1979 وشهدت تطورا ملحوظا بعد سنة 2018 فأصبحت المساحة البلدية تساوي 24 ألف كم2 ووصل عدد السكان إلى 11 ألف ساكن تقريبا بعد التوسع.
إشكالية ألقت بظلالها على عمل البلدية حيث عَطلت العديد من المشاريع لعدم وجود أراض للاستثمار منها مشروع تربية الماشية الذي كان سينفذ مع مركز الأمم المتحدة الإنمائي و لم يتم انجازه بسبب الأراضي الاشتراكية.
و نظرا لطبيعة المنطقة اجتماعيا و التي مازالت تحكمها العروش فان منطقة "بئر عمير" مثال حقيقي لهذه الإشكالية، إذ لا زال جزء مهم من أراضيها محل نزاع بين عرشي "الدويرات" و "أولاد دباب" و لم تجد لا البلدية و لا مختلف السلط الجهوية و المؤسسات الحكومية حلا لهذا الخلاف إلى حد الآن.
حل النزاع على الأرض في منطقة "بئر عمير" مكلف جدا للبلدية بسبب محدودية ميزانيتها التي بلغت حوالي 755 ألف دينار تخصص منها نسبة 67% للأجور مما يدفعها للتداين و يبقى المواطن المتضرر الاول من هذه الوضعية .
و قد أثر اشكال الاراضي الاشتراكية أيضا على عمل البلدية فلم تتمكن من إعداد مثال التهيئة العمرانية، حيث يتنازع مجموعة من "العروش" على عديد المناطق نذكر منها منطقة "نكريف" و يشمل النزاع "أهل سدرة" و "الدغاغرة" و منطقة "مغني" النزاع فيها بين "أولاد شهيدة" فيما بينهم و يسيطر عرش "المخالبة" بدوره على منطقة "كمبوت".
هذه الإشكالية العقارية تترافق مع مجموعة من المشاغل الأخرى خلفها التوسع الترابي للبلديات، وأثقلت كاهل البلدية والمواطن معا.
ضعف الخدمات البلدية بسبب نقص الموارد البشرية و المالية
أجمع أغلب رؤساء البلديات أن التوسع الترابي أنتج مشكلة مادية بالأساس ذلك أن المجال الترابي شهد امتدادا و في المقابل بقيت إمكانيات البلدية على حالها. فميزانية البلدية لم تشهد تطورا لتتمكن من تغطية حاجيات المناطق البلدية الجديدة و اضطرت بذلك إلى العمل بإمكانياتها المحدودة رغم رغبتها في إيصال الخدمات البلدية إلى أبعد المناطق البلدية.
وضعف الموارد ينعكس بالضرورة على عمل البلدية. بلدية رمادة مثلا لديها ديون بقيمة 200 ألف دينار لفائدة شركة الكهرباء و الغاز و ذلك بسبب التوسع و قلة الموارد فهذه المدينة شهدت توسعا في المباني بنسبة 40 % خاصة بعد الثورة.
ورصد لها مبلغ بقيمة 02 مليار و 600 ألف دينار لكن لم يتم تحويل إلا مبلغ 445 ألف دينار إلى حد الآن و تم تقسيمه على أربع مناطق بحسب مقترحات مشاريع من طرف سكان تلك المناطق و التي سيتم تنفيذها قريبا.
نظرا لهذا الوضع المادي الصعب بلدية رمادة عاجزة على إحداث دوائر بلدية في مناطق التوسع. أيضا إنشاء الدوائر البلدية مشروط بعدد سكان لا يقل عن 4000 ساكن إضافة إلى ضرورة وجود سقف من الموارد البلدية فيها وهو أمر يصعب أن يتوفر في مناطق التوسع.
إشكاليات مختلفة تشكو منها أيضا بلدية البئر الأحمر، و التي تمتد على حوالي 53 ألف هكتار و يتجاوز عدد سكانها 9000 ساكن بحسب تعداد العام 2014 ، نذكر منها مشكلة النقل و التي يعاني منها خاصة سكان منطقة العرقوب و هي منطقة شبه معزولة، سكان المنطقة يعتمدون في تنقلهم إلى بقية المناطق المجاورة على حافلة النقل المدرسي و هو أمر يؤرقهم و يتعبهم خاصة خلال العطل المدرسية و الصيفية اعتبارا أن قرية العرقوب تبعد حولي 30 كم على مركز مدينة البئر الأحمر.
كذلك يشكو المواطن من صعوبة الحصول على الخدمات البلدية (الحالة المدنية) كما لا يتمتع بخدمات النظافة و لا بالتغطية بشبكة اتصالات.
و من الإشكاليات الأساسية لهذه البلدية عدم تجديد أمثلة التهيئة العمرانية منذ سنة 1990 رغم ما تشهده من توسع سكاني سريع. سنة 2016 انطلقت البلدية في مراجعة مثال التهيئة لوسط المدينة للحد من البناء الفوضوي و صادق عليه المجلس البلدي إثر مداولات ومراجعات للنشر في مرحلته الأولى.
وتشكو بلدية تطاوين الجنوبية بدورها من عديد الاشكاليات نذكر منها عدم توفر الاعتمادات اللازمة لاقتناء معدات النظافة و ترميم القصور كما أنها لا تمتلك مقرا إداريا و لا مستودعا بلديا،إضافة الى قلة الموارد البشرية، هذه البلدية تضم حوالي 7500 ساكنا على مساحة 1885كم2. تم مؤخرا التفويت في بعض الملاعب و المنتزهات لصالحها من قبل المجلس الجهوي .
و بالرغم من أن كل البلديات تشكو من عديد الإشكاليات إلا أن بلدية غمراسن تعتبر الأكثر حظا بين نظيراتها بالرغم من محدودية مواردها المالية هي أيضا.
هي بلدية تأسست في العام 1975 مساحتها 72 ألف هكتار و تضم حوالي 16 ألف ساكن بميزانية تقدر بمليار و 600 ألف دينار . تحسنت وتطورت الميزانية بفضل المعلوم على العقارات المبنية و المعلوم على المؤسسات. و رغم مجهودها في العمل البلدي إلا أنها تشكو بدورها من صعوبة مجابهة تكاليف التوسع مما اضطرها للعمل بنفس عدد العمال و الميزانية و الآليات ووسائل العمل و رغم تلك الظروف تمكنت من تغطية كل المناطق بخدمة النظافة وكذلك إحداث مناطق خضراء و العمل مع شركة الكهرباء و الغاز وشركة المياه في مجال التنوير وإيصال الماء الصالح للشراب .
أما بلدية تطاوين الشمالية فهي تعاني من عدم احترام المواطن للتقسيم الترابي و عدم ترك المجال اللازم لإحداث مؤسسات عمومية أو إدارية رغم أن هذا التوسع لم يرافقه تحسن في مداخيل البلدية التي تعاني صعوبات مالية كبيرة .
و تشتت كبير في مناطق التوسع التي يعوزها التمتع بالخدمات البلدية الأساسية كالنظافة والإنارة العمومية و الترصيف و التعبيد.
و لكن رغم كل هذه المجهودات من البلدية يبقى المواطن المتضرر الرئيسي بسبب ضعف إمكانيات البلديات و الإشكالات العالقة دون حلول تذكر.
إشكاليات المواطن و حلول البلدية
يعتبر العمل البلدي في مناطق التوسع غير كاف لسد حاجيات المواطن في جل بلديات تطاوين.
حيث يشكو المواطنون من غياب عديد المرافق الضرورية التي تعيق حياتهم اليومية. كانعدام وسائل النقل و قلتها حيث يتنقل تلاميذ المنطقة أسبوعيا إلى معتمدية رمادة من أجل الدراسة و يضطرون إلى المشي بعض الكيلومترات على الأرجل لأن النقل لا يصل إلى داخل "بئر عمير" و هو أمر مرهق للأولياء و التلاميذ على حد السواء.
كما يطالب الأهالي بتعبيد الطريق و ضرورة الاعتناء بالجانب الصحي وتوفير أماكن للترفيه والملاعب والمنتزهات .
تقول "بسمة العوني" و هي مستشارة بلدية ببلدية رمادة و أصيلة المنطقة أضافت أن الدولة قامت بإسناد منحة بقيمة 150 ألف دينار لفائدة مناطق التوسع بهدف التنوير و الترصيف و التعبيد و إحداث مناطق خضراء لكن المواطن مازال ينتظر دون جدوى.
و على غرار منطقة "بئر عمير" فان منطقة المرة ببلدية "الصمار" تفتقر بدورها بحسب السيدين "زايد قنيب" و "الحبيب العمراني"و هما أصيلي "المُرَة" إلى خدمات النظافة و النقل و غياب الإطار الصحي و عدم تعبيد الطرقات و عدم توفير المياه .
أمام هذه الإشكاليات المتعددة حرصت كل بلدية بدورها على إيجاد الحلول لإرضاء المواطن و لكن الأمر يبدو غير كاف.
حيث أجاب رئيس بلدية البئر الأحمر عن إشكالية النقل بالعرقوب بأنها ليست من صلاحيات البلدية بالأساس لكنه في تواصل مع بقية السلط المحلية والجهوية لإيجاد الحلول . وأضاف أن البلدية قررت شراء شاحنة بإعتمادات رصدت في ميزانية العام 2021 و أيضا برمجت شراء حاويات نظافة للمنطقتين في ذات الميزانية و البلدية بانتظار صرف الإعتمادات الخاصة بهما.
كما خصصت البلدية 80 ألف دينار للإنارة العمومية و 70 ألف دينار للترصيف و 50 ألف دينار لإحداث فضاء للأطفال.
وطالب المواطنين في المقابل بدفع الأداءات البلدية لإدخال موارد مالية لها و دعا المواطنين للتعاون مع البلدية من خلال البيع أو التبرع بقطعة أرض لإعانة البلدية على توفير رصيد عقاري لإنشاء المشاريع البلدية التي يمكن أن تكون مصدرا في المستقبل لمداخيل بلدية قارة.
أيضا من بين الحلول التي سيستفيد منها المواطن و التي تمثل إشكالا في الوقت ذاته هي الأراضي الدولية حيث ذكر رئيس بلدية رمادة أن منطقة الظاهر التي تمتد على مساحة تتراوح 15 و 20 ألف كم2 تنتصب فيها الشركات البترولية، و بلدية رمادة تطالب هذه الشركات بضخ مساهماتها الجبائية لميزانية البلدية و أن من مجموع الشركات الموجودة في الظاهر الوحيدة التي استجابت هي شركة OMV بمبلغ بسيط في انتظار تجاوب الآخرين.
فالأراضي الدولية أراض تعود ملكيتها للدولة و تحتوي على ثروات كبيرة. في المقابل توفر الدولة كل المتطلبات لاستغلالها والاستفادة منها، لكن هذه الشركات لم تستجب إلى اليوم لدفع ما هي مطالبة بدفعه من مستحقات.
"مطالب المواطنين في رمادة بالأساس متعلقة بالشركات البترولية و ضرورة الاستثمار من طرفها في المنطقة البلدية التابعة لها و التي يعاني شبابها من البطالة و التهميش و الافتقار إلى المرافق التي هي اليوم أساسية مثل المسبح و المناطق الخضراء و غيرها" هكذا قال رئيس بلدية رمادة.
و ذكر أنه بحسب مجلة الجباية المجال الترابي الذي تنتصب فيه الشركات البترولية يتمتع ب 50 % من مساهمتها في الأداءات التي من المفروض أن تحول مباشرة إلى حساب البلدية. ونظرا لعدم الاستجابة فالحل سيان فيما تعلق بالأراضي الاشتراكية أو الدولية و هو التقاضي.
من جانب آخر دعا رئيس بلدية ذهيبة المواطنين إلى تقديم حجج ملكية و ما يثبت حوزتهم للأرض أو شهادة الإسناد و القيام بالتسوية القانونية للعقارات.
و دعا أيضا الأطراف الأخرى كرئاسة الحكومة و المجلس البلدي و المحكمة العقارية فرع تطاوين ووزارة العدل ووزارة أملاك الدولة و صندوق تحديد الرصيد العقاري ووزارة التجهيز إلى حل الإشكال بسبب الضرر الذي لحق المواطن في ذهيبة جراء خسارته عقاره بشكل قانوني و لكن في الواقع المصلحة الاجتماعية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار .
و من بين الحلول المقترحة لبلدية تطاوين الجنوبية ذكر رئيسها أنه سيتم استلام شاحنة بقيمة 170 ألف دينار و حاوية نظافة و شاحنة أخرى تزيد كلفتها عن 390 ألف دينار بحجم 16 م3 و سيبدأ مع بداية شهر ماي تنفيذ مشروع تعبيد الطرقات و التنوير العمومي.
كما ستعمل بلدية غمراسن بدورها على إقامة مناطق خضراء بقرماسة وووادي الخيل كما ستحدث قريبا منطقة للألعاب بالمرابطين و ستقوم بتشجير المظيلة.
رغم مجهودات البلدية الحثيثة إلا أن المواطن في مناطق التوسع بحاجة ملحة للعديد من المطالب فهل من تدخل للأطراف الأخرى لمساعدة البلديات للنهوض بمناطق التوسع؟
- 15 vues