أزمة الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء: بين خطاب الشيطنة و إنتهاك حقوق الإنسان
"كانت رحلة شاقّة ،هربنا من المعاناة في بلداننا فوجدناها هنا " بنبرة تغمرها الحسرة و الحزن يروي لنا محمّد الغيني ملخّص وضعه المرير في تونس بعد محاولاته المتكرّرة للوصول الى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية عبر البحر .
قبالة خيمته المنتصبة في غابات أشجار الزيتون في منطقة العامرة من ولاية صفاقس ، قال محمّد"الأزمة الإقتصادية في بلدي اجبرتني على تركها من أجل البحث عن عمل وتحسين وضعيتي الماديّة ,كانت وجهتي الاولى الجزائر لكن طردت منها و تعرضت لمعاملة جدّ قاسية هناك .
قرّرت الهروب و القدوم إلى تونس عبر الحدود البريّة مرورا بمدينة القصرين وصولا إلى صفاقس و قطعت تقريبا مسافة 300 كم سيرا على الأقدام" .
لا تختلف معاناة المهاجرة الإيفوارية "دانا" عن معاناة محمّد فهي أيضا هربت من ليبيا و سلكت مئات الكيلومترات مشيا على الأقدام صحبة زوجها لتصل إلى مدينة صفاقس .
تقول دانا " نحن كلّنا مسلمون وأفارقة وأنا أكملت مستوى متقدّما من التعليم وأعلم جيّدا أن دولة تونس هي دولة الحقوق والحرّيات لكن عند مجيئي إلى هنا تفاجأت بما وجدته على أرض الواقع من سوء معاملة وإقصاء بمجرّد أن يعرف الجميع أنك مهاجر إفريقي يبدأون بضربك و نعتك بأسوء النعوت دون توقّف ".
ضبابية الأرقام
حسب آخر تصريحات وزير الداخلية كمال الفقي خلال جلسة استماع له بالبرلمان بتاريخ 20 ماي 2024 أن عدد الأفارقة الموجودين بتونس بشكل غير نظامي يقدّر حوالي 23 ألفا ،ووفق نفس المصدر فإن المهاجرين الأفارقة الموجودين بتونس يقدّرون 27 جنسية ،وأكّد الفقي أن عدد الأفارقة الموجودين بصفة قانونية في تونس بلغ 9 آلاف مهاجر ،كما ان الوحدات الامنية عبر الحدود البحرية للهجرة من تونس نحو أوروبا ضبطت ما يقارب 79635 مهاجرا سنة 2023 وحوالي 28147 مهاجرا ضبطوا إلى حدود ماي 2024 .
هذه الأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية تعتبر أول أرقام رسمية صادرة عن مؤسسة رسمية و لها علاقة مباشرة بملف المهاجرين الأفارقة بتونس .
يرجّح المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن يكون الرقم الحقيقي للمهاجرين أكبر من الأرقام الرسمية المصرّح بها و لكن لن يتجاوز 50 ألفا. ويقدّر المعهد الوطني للإحصاء في تقرير" المسح الوطني للهجرة الدولية " الصادر في ديسمبر 2021 أن عدد الأجانب المقيمين في تونس قدّر ب 58990 أي ما يعادل 0.5 بالمائة من إجمالي سكّان البلاد البالغ عددهم نحو 12 مليون نسمة ،وقد حصر المعهد عدد المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء ب 21.466 شخص أي ما يعادل 36 بالمائة من مجموع الأجانب المقيمين في تونس .
في المقابل قدّرت بعض المنظمات الأخرى عدد المهاجرين الأفارقة بنحو 50 ألف مهاجر.
أرقام متباينة وحسب عديد التقارير من الممكن ان تكون الاعداد اكبر نظرا إلى أن عدد المهاجرين غير النظاميين لا يمكن حصره بصفة دقيقة لأن معظمهم يتركون تونس نحو أوروبا و الهدف الوحيد من قدومهم إلى تونس هو الوصول نحو السواحل الشمالية للبحر الأبيض المتوسط (المسافة بين صفاقس/المهدية و لامبيدوزا تقدّر ب 188 كم - 133 كم )
تقول عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان حميدة الشايب لمعدّة التحقيق "عندما نتحدّث عن المهاجرين نتحدّث عن لاجئ أو مهاجر في إطار شرعي أو إطار غير شرعي، والقوانين التي تتحدّث عن المهاجرين عديدة خاصّة على المستوى الدّولي على سبيل المثال اتفاقية جنيف الخاصّة بالمهاجرين واللاجئين والتي وقّعت عليها تونس .
تضيف الشايب "لا يمكن حصر هذه الحقوق أو ربطها بالمهاجرين فقط ،فالحديث عن المهاجر هو الحديث عن الإنسان والحقوق كاملة لا تتجزّأ و المهاجر إنسان و يجب احترام كرامته ."
إنتهاكات مستمرّة
تقول عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان حميدة الشايب "إن المهاجرين الأفارقة في تونس يتعرّضون يوميا لاعتداءات خلال رحلتهم إنطلاقا من ليبيا والجزائر وصولا إلى صفاقس مرورا بولايات القصرين وقفصة وسيدي بوزيد وتكون هذه الاعتداءات من مرافقيهم من الأفارقة أو من التونسيين .
وتضيف الشايب "نحن إلى حدّ اليوم عجزنا على توفير الحماية القانونية لهؤلاء المهاجرين الذين هربوا من الحرب في بلدانهم ومن الظروف المعيشية القاسية، كما أن في تونس حقوق المهاجر غائبة في تونس وهي حقوق وهميّة، ونحن كرابطة مازلنا نصرّ على حقّ التنقل لكلّ إنسان سواء كان تونسي أو مهاجر وندافع على هذا الحقّ الذي تم انتهاكه في تونس من خلال الاعتداءات المتكرّرة في حق المهاجر علاوة على ذلك يجد نفسه في مواجهة جريمة الدخول الى التراب التونسي بطرق غير شرعية "وفق قولها .
تواجد الأفارقة في تونس يخفي وراءه مسارات رحلة شاقّة وخطرة يسلكها هؤلاء، وتستغلّها شبكات الإتجار بالبشر وبعض المهرّبين الذين يتقاضون مبالغ مالية كبيرة مقابل خدمة نقلهم من الحدود التونسية الجزائرية والليبية إلى تونس العاصمة أو صفاقس .
تنقلّنا إلى ولاية القصرين بتاريخ 3 نوفمبر 2024 للحصول على شهادات من متساكني معتمدية فريانة ومنطقة "فج النّعام "وهناك قابلنا الرّاعي "علي" الذي أكد لنا رواية وجود أشخاص ينقلون المهاجرين الأفارقة في سيّاراتهم الخاصّة مقابل 700 دينار الفرد الواحد .
يتابع محمّد سرد قصّته لمعدّة التحقيق "لا نريد إقامة ولا مساعدة، فقط اسمحوا لنا بالمغادرة إلى مقصدنا وتوقفوا عن إيذائنا وتعنيفنا، أنظروا كيف نعيش وهو يشير بإصبعه إلى الخيام البالية الموجودة هنا وهناك والثياب المعلّقة على أغصان أشجار الزيتون، لا ماء صالح للشرب ولا أكل ومنعونا من العمل لكسب بعض المال وشراء الأكل لاطفالنا وحرمونا من المرور أو حتى العودة ويطالبوننا بالمغادرة ونحن محاصرون في غابات الزيتون في صفاقس " حسب قوله .
وعن معاناتها هي ورفيقاتها تواصل المهاجرة الإيفوارية الحديث بحزن عن الاستغلال الذي يمارسه بعض التونسيين منذ قدومها إلى تونس صحبة زوجها "لقد استأجرت غرفة في منزل بمبلغ قدرة 1500 دينار الشهر الواحد و في الشهر الذي يليه أخذ مالك الغرفة المبلغ مسبقا ثم طردنا دون شفقة ولا رحمة بعد أسبوع فقط "
تتعرّض محدّثتنا هي وزميلاتها من نفس جنسيتها إلى الكثير من الإستغلال فعلى سبيل الذكر قارورة المياه المستعملة والغير صالحة للشرب ذات سعة 2 لتر يشترونها ب 4 دنانير وتصل أسعاررطل من المعجّنات إلى 3 دنانير حسب شهادات المهاجرين الذين التقيناهم في منطقة العامرة من ولاية صفاقس .
كشفت دراسة أنجزتها المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية في 23 جويلية 2024 أن أكثر من نصف المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء من دول إفريقيا جنوب الصحراء يعيشون حاليا في ظروف غير لائقة ، وخلصت هذه الدراسة التي أجريت على عيّنة شملت 379 مهاجرا إلى أن أكثر من نصف المهاجرين الافارقة في تونس يعيشون في الشوارع والحدائق العامّة والخيام،بالإضافة إلى الظروف الصعبة التي تعترض هؤلاء المهاجرين حيث تقوم الدولة التونسية باعتراض الآلاف منهم أثناء محاولتهم العبور نحو أوروبا منذ بداية عام 2024 وذلك بناء على مذكّرة التفاهم بين المفوّضية الأوروبية وتونس حيث أعلنت المفوّضية عن تخصيص 127 مليون يورو لتونس مقابل العمل على الحدّ من توافد المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا عبر الأراضي التونسية.
و حسب نفس الدراسة فإن أوّل دوافع هجرة هؤلاء هو الهرب من الأنظمة القمعية التي تسيطر على بلدانهم حسب 66 بالمائة من المستجوبين يليها الهرب من التغيّرات المناخية .
وفي ما يتعلّق بالولوج إلى الخدمات الصحيّة صرّح 65 بالمائة من المستجوبين أنهم يتوجهون إلى الصيدليات عندما يمرضون للحصول على الأدوية بينما قال 56.5 بالمائة منهم أنهم يلجأون إلى طرق علاج تقليدية، وللإشارة يرغب 75 بالمائة منهم العبور إلى إيطاليا في أسرع وقت ممكن .
سأل المنتدى التونسي في إطار نفس الدراسة المهاجرين والمهاجرات عن سبب اختيارهم لتونس كوجهة فأجاب 75 بالمائة منهم "أن القدوم إلى تونس لم يكن خيارا بل تم دفعهم نحو الحدود التونسية دون رغبة منهم "و59 بالمائة منهم أجابوا "أنهم اضطروا للهروب من العنف في بلد مجاور"
يقول نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال الدين السباع "أن المهاجرين والمهاجرات الأفارقة في تونس يعيشون في حالة رعب وفي ظروف لا إنسانية تفتقد لأبسط مقومات الحياة وقد عبّرت الرابطة في جميع ندواتها وبلاغاتها الرسمية عن موقفها الرافض لما يعيشه هؤلاء الأشخاص الذين إختاروا تونس فقط من أجل العبور إلى مبتغاهم .
يضيف السباع "نحن كرابطة طالبنا الدولة بتوفير الأمان للمهاجرين من دول إفريقيا وضرورة تطبيق ما جاء في اتفاقيات حقوق الإنسان التي وقّعت عليها تونس سابقا وحذّرنا من تولّي تونس مهمّة حماية الحدود الأوروبية من خلال إتفاقية تونس وإيطاليا وبالنسبة لنا هذا ليس دورنا وليس من مشمولات الدولة التونسية" وفق تصريحه .
في نفس السياق ذكّر محدّثنا "أن الدولة التونسية تؤمن بالحقوق والحريات خصوصا حق حرية التنقل ومن المنطقي ترك هؤلاء يمارسون هذا الحق دون تضييقات أو قمعهم "
وإجابة منه على سؤالنا المتعلّق بعجز الدولة في معالجة ازمة المهاجرين يقول السّباع "أرى أن الدولة ليست عاجزة عن معالجة ملفّ المهاجرين الأفارقة بل هي مقصّرة ،خصوصا أنها لم تذهب للحلول المناسبة بالرّغم من مطالبنا الحثيثة الموجّهة للدولة من أجل تجميع الأفارقة في مراكز تجميع أو مقرات إيواء حيث يساعدها ذلك على إحصائهم وتوفير الحاجيات الضرورية من أكل وشرب وحماية لهم .
دعا جمال الدين السباع في آخر حديثه إلى تكاتف الجهود من قبل الدولة والمنظمات المختصّة المهتمّة بحقوق الإنسان من أجل إيجاد حلول للمهاجرين من دول إفريقيا .
من خلال مقابلة أجريناها مع نائبة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فرع القصرين حياة حليمي إثر عملنا الميداني في ربوع ولاية القصرين ندّدت فيها بكل أنواع الاعتداءات التي يواجهها الأفارقة خاصّة النساء، كما أكدت أن الدولة التونسية اليوم مطالبة بردع كل أشكال العنصرية والتمييز التي تمارس ضد هذه الفئات الهشّة .
تقول الحليمي "بعد خطاب آخر خطاب رسمي للدولة التونسية ظهرت حملة شيطنة وتشويه للمهاجرين من دول إفريقيا وأصبح حتى المتواجدون بصفة شرعية وقانونية مهدّدون وطالت هذه الإعتداءات حتى الطلبة ومنهم من ترك صفوف الدراسة وعاد إلى بلده "
ودعت الحليمي إلى إيجاد حلول لهؤلاء وإعتماد مقارنة حقوقية عند وضع هذه الحلول والتوقّف عن شنّ خطابات الكراهية والعنصرية ضدّهم،وإذا توفرت في بعضهم الشروط لما لا يقع إدماجهم وتعزيز إقتصاد تونس وتوظيفهم كيد عاملة مثلهم مثل أي مهاجر يبحث عن مورد رزق .
حملات شيطنة انخرطت فيها وسائل الإعلام
بعد مرور أكثر من سنة على بلاغ رئاسة الجمهورية وخطاب الرئيس قيس سعيّد بتاريخ 21 فيفري 2023 خلال اجتماع مجلس الأمن القومي والذي أكد أن تواجد المهاجرين الافارقة في تونس مرتبط بترتيب إجرامي تمّ إعداده لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس "لا تزال الانتهاكات الممنهجة وحملات العنف والعنصرية تجاه المهاجرين والمهاجرات الأفارقة مستمرّة ،بل أجّج هذا الخطاب الأوضاع وساهم في إنخراط عديد المؤسسات والأشخاص في عدّة ممارسات لا إنسانية في حق المهاجرين والمهاجرات .
وتنديدا بمثل هذه الممارسات أصدر المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية ومجموعة من المنظمات الوطنية والدولية المدافعة عن حقوق الإنسان بيانا بتاريخ 5 أفريل يجرّم فيه تواتر الإنتهاكات الجسيمة لحقوق المهاجرين والمهاجرات من قبل السلطات علاوة على الحملات الممنهجة الداعية لترحيلهم.
أسابيع وأشهر من العنصرية والكراهية التي اجتاحت بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بعد خطاب الرئيس قيس سعيد الذي تبنّى فيه نظرية "الاستبدال "واستهدف فيه بشكل مباشر كل المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء .
إنفجرت حالات الإقصاء والعنف والطّرد لكل المهاجرين دون إستثناء كما عرضت عدّة وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات تظهر تعرّض افارقة وتونسيين من ذوي البشرة السوداء لاعتداءات في أغلب ولايات الجمهورية التونسية ،
خطاب قيس سعيّد في فيفري يتعارض تماما مع ما قاله سعيّد في خطابه خلال القمّة الإفريقية الأوروبية في بروكسل يوم 17 فيفري 2022 عندما قال "إفريقيا للأفارقة " فبسبب آخر خطاب له والذي اتهم فيه أطراف بالوقوف وراء قدوم المهاجرين بهدف التوطين في تونس انطلقت حملات الشيطنة والتشويه وانخرطت حتى وسائل الإعلام فيها .
بينما تغض الدولة الطرف عن خطاب الكراهية والعنصرية في بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي لتتحوّل إلى حملات ميدانية بتسهيلات من السلط الجهوية .
رصدت الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصري "الهايكا"(هيئة أحدثت بمقتضى المرسوم عدد 116 لسنة 2011 لتقوم بتنظيم ومراقبة قطاع الإعلام لكن حاليا هي متوقفة عن العمل بعد أن تمّ التخلّي عن مجلسها ولم يتم تعويضه إلى الآن) في تقرير لها عددا من الإخلالات المهنية المنافية للمعايير المتعارف عليها في التعاطي الإعلامي لقضايا حقوق الإنسان وبصفة خاصة موضوع المهاجرين غير النظاميين خلال يومي 22 و23 فيفري سنة 2023 .
وأفادت الهايكا بأن هذا التقرير تمّ إنجازه في إطار تقييم طريقة التناول الإعلامي السمعي البصري للمواضيع المتعلّقة بالهجرة ومدى الالتزام بأخلاقيات المهنة الصحفية واحترام حقوق الإنسان بعد صدور بيان رئاسة الجمهورية بتاريخ 21 فيفري 2023 .
شمل تقرير الهايكا عينة لإحدى عشر(11) برنامجا حواريا وإخباريا وسياسيا في قناتين تلفزيتين و8 قنوات إذاعية وقد تم تسجيل عدم التزام هذه القنوات بالموضوعية في التقارير المعتمدة والتي تتضمن إستطلاع الرّاي ، كما تم في بعض البرامج بثّ الرأي الواحد ووجهة نظر واحدة وهذا يتنافى مع أخلاقيات المهنة .
أشار نفس التقرير إلى عدم الإلتزام في بعض البرامج من قبل مقدّمي البرامج و المعلّقين القارّين بالموضوعية والحياد والتعدّدية في التعبير عن آرائهم والتي تشابهت تمحورت حول التنديد بمحتوى بيان رئاسة الجمهورية.
وخلاصة هذا التقرير حسب الهايكا هو أن الخطاب الإعلامي تحوّل إلى حملة سياسية من خلال توظيف مضمون الخطاب الرئاسي، كما إنتقد هذا التقرير إعتماد هذه البرامج وبشكل كبير على ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي من أخبار وصور وفيديوهات دون تثبّت أو تحقّق من صحّتها والإعتماد على معطيات غير رسمية ودون الانتباه إلى المفردات التي يقع إستعمالها في هذه الفيديوهات أو في الأستوديو.
يقول أستاذ القانون أيمن الزغدودي إن موضوع الأفارقة جنوب الصحراء موضوع مطروح في كل العالم وخطابات الكراهية موجودة تجاه هؤلاء المهاجرين في عديد من الدّول وفي تونس ظهر هذا النوع من الخطاب على لسان مسؤولين وحتّى إعلاميين وعلى مواقع التواصل الإجتماعي .
ويضيف الزغدودي "من واجب الدولة ممارسة دورها الرقابي للتصدّي لمثل هذه الخطابات خصوصا أن تونس طرف موقّع على المعاهدات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان، كما توجد في تونس قوانين تجرّم جميع أنواع التمييز العنصري على غرار قانون سنة 2018 ، إضافة إلى أن خطابات الكراهية في تونس تفشّت مؤخّرا لأسباب سياسية واضحة .
وبالنسبة لانعكاسات هذه الخطابات يقول الزغدودي " ينجرعن هذه الخطابات وحملات الشيطنة وصم مجتمعي وبالتالي إنتشار العنف الإقتصادي والمعنوي والبدني، وهذا ما لاحظناه مؤخّرا من صدامات ومناوشات بين التونسيين والأفارقة من جنوب الصحراء"
في ختام حديثه ندّد الزغدودي بظاهرة انخراط وسائل الإعلام في هذه الحملات التي تحمل في طياتها خطابات كراهية وعنف في حق هؤلاء الضحايا ومن واجبنا احترام كرامتهم وفق قوله .
بدورها تعلّق الصحفية المختصّة في حقوق الإنسان نجوى الهمّامي على مدى إحترام التناول الإعلامي لقضايا المهاجرين الأفارقة لمعايير أخلاقيات المهنة قائلة "مرّ التعاطي الإعلامي لقضايا المهاجرين بمرحلتين ما قبل وما بعد الخطاب الرسمي، إذ كان هذا التعاطي قبل الخطاب الرسمي يحظى بمجال أوسع وفيه إحترام لحقوق الإنسان ولم يشهد وجود أخطاء مهنية فادحة من الصحفيين ووسائل الإعلام بينما بعد الخطاب الرسمي لاقى هذا التعاطي صعوبات وضغط و"صنصرة" من قبل المشرفين على وسائل الإعلام كما تراجعت رغبة الصّحفي في الإقبال على إنجاز أعمال صحفية تهتم بمثل هذه القضايا تجنّبا للتتبّعات القضائية التي تلاحقه بمجرّد مزاولته لمهنته الطبيعية والحديث في أحد الملفّات الحارقة .
و تضيف الهمّامي "أنخرط بعض الصحفيين في حملات الشيطنة ضدّ المهاجرين والمهاجرات في تونس وانساقوا وراء فكرة أن هناك مساعي للتوطين والبقاء في تونس ممّا ساهم في انتشار العنف وجرائم إستغلال الأفارقة بأشكال مختلفة .
لقيت تصريحات سعيّد تنديدا واسعا من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية وعبرت هذه المنظمات في عديد المناسبات عن قلقها العميق إزاء تواصل تهميش الفئات الأكثر هشاشة خاصّة المهاجرين والمهاجرات .
إضطرابات نفسية من الجانبين
بما أن حق التنقّل هو أحد حقوق الإنسان التي لا يمكن حرمانه منها فإن الأفارقة من جنوب الصحراء يندفعون عبر الصحاري والبحار إلى دول الشمال بهدف تحسين ظروفهم في مواجهة واضحة لكل التّحديات والصعوبات مهما كان نوعها وحدّتها ، ومن الناحية النفسية يعاني المهاجرون الأفارقة في تونس من آثار عميقة لحملات التحريض والعنف خصوصا على المستوى النفسي .
هذا ما أكّده الأخصّائي النفسي جهاد ملائكي "معظم المهاجرين والمهاجرات يعانون من الإكتئاب والقلق واضطرابات ما بعد الصدمة ويشعرون بالعزلة والوحدة وصعوبة الاندماج في المجتمع التونسي الذي يصنّفهم كأعداء وهذا ما يزيد من حدّة ردّات فعلهم وبالتالي يتصرفون بعدائية .
ويضيف الملائكي أن الحالة النفسية للتونسيين أيضا تشهد إضطرابا بسبب خوفهم الدائم من الأفارقة وبالتالي هم أيضا يشعرون بعدم الإستقرار الأمني وتصدر عنهم تصرّفات لا إنسانية بهدف حماية أنفسهم ومحيطهم ."
من الواضح أن سياسات الهجرة الاوروبية والقيود التي تفرضها على الوصول إلى أراضيها هي من الأسباب وراء تنامي أزمة المهاجرين والمهاجرات الأفارقة والتي تعيش على وقعها تونس منذ سنوات خصوصا بعد إتفاقية تونس وايطاليا حيث أصبحت تونس طرفا فاعلا ورئيسي في مراقبة الحدود البحرية مع ايطاليا وخاصّة اعتراض قوات المهاجرين خارج المياه الإقليمية ونقلهم إلى تونس .
- 41 vues